هل هناك التزامات تقع علي عاتق الجراح قبل بدء العملية الجراحية ؟؟
بقلم الدكتور وليد سعيد عبدالخالق المحامي
من مؤلفنا المسئولية الجنائية عن الممارسات الطبية .
من حيث المبدأ فإن الجراح غير ملتزم بتجهيز غرفة العمليات بنفسة فذلك العمل منوط بغيرة من العاملين بالمستشفى أو المركز الطبي إلا أن ذلك لا يعفي الجراح من مراجعه تلك التجهيزات بنفسة والتأكد فعلا من جاهزية غرفة العمليات لبدء الجراحة, فعلية أن يتأكد من صلاحية الأدوات المستخدمة في إجراء الجراحة وكذا تعقيمها وعددها وكذا التأكد من صلاحية الأجهزة الطبية المختلفة التي تستخدم أثناء العملية وانها تعمل بصورة طبيعية دون خلل, والتأكد من توافر العقاقير الطبية التي ينوي استخدامها أو التي قد يتم الاحتياج لها أثناء الجراحة وعدم وجود أنواع مشابهه لها يمكن أن يحدث خطأ بشأنها حال الجراحة.
والمتبع دائما في غرف العمليات وقبل البدء في العمليات الجراحية أن يقوم الجراح أو احد مساعديه تحت إشرافه بإجراء حصر عددي لعدد الأدوات الطبية المستخدمة في الجراحة مثل المشرط و القطن والشاش والفوط الطبية وكذلك إعادة إجراء ذلك الفحص العددي لها بعد انتهاء العملية الجراحية وقبل خياطة مكان العملية للتأكد من عدم نسيان أيا منها داخل جسم المريض.
ولا يكفي مجرد سؤال الجراح للمرضة عن هذا الإجراء لأهميته ولا يعفيه من المسئولية الجنائية مجرد السؤال عن قيام احد أفراد الطاقم الطبي بإجراء هذا الحصر العددي بل يجب علية التأكد من عدد تلك الأدوات قبل الجراحة وبعد انتهائها للتأكد من عدم نسيان أيا منها داخل جوف المريض لان تلك مسئوليته.
والذي يدعونا للتشديد علي ذلك الالتزام الجوهري ما شهدته ساحات المحاكم من كم كبير من القضايا ادين فيها جراحين جراء نسيانهم قطن أو شاش أو فوط طبية أو مشرط داخل جوف المريض واكتشافها بعد فتره نتيجة أصابه المريض بمضاعفات خطيرة من وجود تلك الأجسام الغريبة داخل جسمه أدت إلي وفاه بعض المرضي وقد وصف تقارير الطب الشرعي وأحكام المحاكم الخطأ الناجم عن نسيان تلك الأدوات داخل جسم الغريب بالخطأ الجسيم الناتج عن إهمال الجراح.
فقد أوضحت الدراسات الدولية انه من بين كل 1000 عملية جراحية ينسي الأطباء أدوات داخل جسم المريض في 18 عملية منها .
كما يجب علي الجراح مراجعة أعضاء الفريق الطبي المشارك له في إجراء الجراحة من طبيب تخدير وأطباء نواب أو مساعدين وطاقم تمريض والتأكد من مدي جاهزيتهم للمشاركة في العملية الجراحية .
ويجب علي الطبيب أن يختار المكان المناسب لإجراء التدخل الجراحي وذلك حسب خطورة الحالة وحجم العملية الجراحية , فالعمليات الصغرى يجوز إجرائها في العيادات الطبية أما العمليات الكبرى يجب أن يتم إجرائها بالمستشفيات أو المراكز الطبية المجهزة لمثل تلك العمليات , وعلي ذلك يسأل الجراح عن الإهمال وعدم الاحتياط والتحرز إذا اجري عملية جراحية خطيرة بعيادته الخاصة ونتج عن عدم توافر الإمكانيات اللازمة بعيادته وفاه المريض أو تأخر حالته الصحية مثلا .
ومن ذلك قضاء النقض : لما كانت محكمة الموضوع بما لها من سلطة تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه جنائياً أو مدنياً - و قد قررت أن الطاعن قد أخطأ بتصديه لعلاج حالة الفتق الإربى الأيمن المختنق جراحياً في عيادته الخاصة مع عدم قدرته على مجابهة ما صحب الحالة من غرغرينا بالأمعاء الدقيقة و الخصية رغم علمه مسبقاً قبل تداخله جراحياً بأن وجود الغرغرينا أمر متوقع ، الأمر الذى إنتهى إلى وفاة المريض ، فإن هذا القادر الثابت من الخطأ يكفى وحده لحمل مسئولية الطاعن جنائياً و مدنيا .
وأيضا يقع عليه واجب مراجعة طبيب التخدير حال شعورة بوجود خلل أو قصور في عملية التخدير أو استشعاره استفاقة المريض وعدم تأثير المخدر عليه وعلية رفض إجراء العملية الجراحية إذا ايقن بوجود خلل حقيقي بعملية التخدير يؤثر سلبا علي سير العملية الجراحية , كما يجب علية التزام عدم البدء في الجراحة إلا في تواجد طبيب التخدير بجانبه, عدم السماح لطبيب التخدير بمغادرة غرفة العمليات منذ بدء التخدير وحتي إفاقة المريض .
كما يقع علي الطبيب الجراح التزام هام قبل تقرير أن حالة المريض تحتاج إلي إجراء التدخل الجراحي ويتمثل هذا الالتزام في إجراء كافة الفحوصات والتحاليل والأشعة التي تمكنه من تقرير مدي ضرورة التدخل الجراحي وأهميته في حالة المريض وما يترتب علي هذا التدخل من نتائج إيجابه أو سلبية وما اذا كانت حالة المريض تستدعي السرعة في التدخل الجراحي من عدمه فان هو قصر في ذلك وترتب علي ذلك ضرر للمريض انعقدت مسئوليته الجنائية.
وفي ذلك قررت محكمة النقض : ما كان الحكم الابتدائي - في حدود ما هو مقرر لمحكمة الموضوع من حق في وزن عناصر الدعوى و أدلتها - قد استظهر رابطة السببية بين الضرر الثابت من خطأ الطاعن و بين ما إنتهت إليه حال المجنى عليه من إصابته بالعاهة المستديمة بما أورده من أنه " لو أجرى الفحوص الطبية قبل إجراء الجراحة و تبين منها أن المريض مصاب ببؤرة قيحية لامتنع عن إجراء الجراحة و لو أنه أجرى الجراحة في عين واحدة - لتمكن من تلافى أي مضاعفات قد تحدث له و لما تسبب في إفقاده إبصار كلتا عينيه " . كما رد على دفاع الطاعن في شأن إنتفاء رابطة السببية بقوله : " و حيث أن المحكمة لا تطمئن إلى دفاع المتهم من أن ما حدث للمدعى بالحق المدني إنما جاء نتيجة حساسية إصابته في عينيه، و هو أمر يخرج عن إرادة الطبيب المعالج ذلك أنه حتى على فرض أن المريض قد فاجأته الحساسية بعد الجراحة - فإن ذلك يكون ناشئاً من عدم التأكد من خلو جسده من البؤر الفاسدة قبل إجراء العملية و لو كانت العملية أجريت على عين واحدة لتبين الطبيب ما يمكن تلافيه من حساسية أو مضاعفات حدثت في العين الأولى " كما أن الحكم المطعون فيه أورد من تقرير الطبيب الشرعي الأخير أن خطأ الطاعن على نحو ما سلف بيانه نقلاً عن هذا التقرير - قد عرض مورث المطعون ضدهم للمضاعفات السيئة في العينين معاً في وقت واحد و أن الطاعن يحمل مسئولية النتيجة التي إنتهت إليها حالة المريض - و كان الطاعن لا ينازع في صحة ما نقل الحكم المطعون فيه من ذلك التقرير - فإن مؤدى ما أثبته الحكم من ذلك أنه قد إستظهر خطأ الطاعن و رابطة السببية بينه وبين النتيجة التي حدثت بمورث المطعون ضدهم من واقع التقارير الفنية بما مفاده أن الحالة المرضية لهذا الأخير لم تكن تستدعى الإسراع في إجراء الجراحة و أن الطاعن - و هو أستاذ في فنه - بما له من مكانة علمية وطول خبرة فنية كان يتعين عليه أن يتوقع حدوث المضاعفات بعيني المريض عقب الجراحة التي أجراها له و قد كان من مقتضى حسن التبصر والتحرز ألا يغيب هذا عنه خاصة في ظل الظروف و الملابسات التي إجريت فيها الجراحة، وهو ما يكفى ويسوغ به تدليل الحكم على توافر رابطة بين الخطأ و الضرر، ومن ثم فلا محل لتعييب الحكم بالقصور في هذا الصدد .
كما يقع علي الطبيب في هذه المرحلة أن اتضح له أن حالة المريض تستدعي نقله إلي قسم أخر بالمستشفى نظرا لحالته وجب علية القيام بهذا الإجراء وفي حالة عدم قيامة بذلك حقت مساءلته عما يصيب المريض من أضرار وفي هذا المقام قضت محكم باريس بأن عدم نقل المريض إلي القسم المختص في الوقت المناسب يشك خطأ فاحشا يستوجب مسئولية الطبيب