مشاكل الإقرار الموقع من المريض

مشاكل الإقرار الموقع من المريض
بقلم الدكتور وليد سعيد عبدالخالق المحامي
من مؤلفنا المسئولية الجنائية عن الممارسات الطبية
.................................
أن المتبع في الواقع العملي أن يقوم الطبيب أو احد مساعديه سواء في المستشفيات العامة أم الخاصة وحتي في العيادات بأن يطلب من المريض أو احد ذويه التوقيع علي إقرار قبل إجراء العملية الجراحية يتضمن هذا الإقرار تبصرة المريض بما هو مقدم علية من جراحة وما تتضمنه تلك الجراحة من أخطار ممكنة الحدوث, وبناء علي توقيع المريض أو احد ذويه علي هذا الإقرار يبدأ الطبيب في مباشرة عملية , ولكن ما هي قيمة هذا الإقرار فيما يتعلق برضا المريض الحر الواعي المبني علي التبصرة بما هو مقدم علية من تدخلات طبية .
وفق ما هو متبع في الواقع العملي فان هذا الإقرار يحمل قرينه لصالح الطبيب مفادها حصوله المسبق علي رضا المريض المبني علي المعرفة ولكن يجوز للمريض دحض هذه القرينة بوسائل الإثبات المختلفة والأمر في النهاية يخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية .
** ومع ذلك لا يخلو هذا الإقرار من إشكاليات يمكن إجمالها في الاتي :

1- لا يضمن الإقرار الكتابي للمريض إلماما حقيقيا بالنتائج المتوقعة للتدخل الطبي بصفه عامة والتدخل الجراحي بصفه خاصة, ذلك أن صياغة الإقرار قد تتم بصفه عامة, وبذلك فلا يمكن تحديد النتائج المتوقعة بطريقة دقيقة مادام أن مضمون الإقرار يتوقف علي حسن نية الطبيب وكذا علي مدي ثقافة المريض, فضلا عن انه من الناحية العملية قد تشرف احدي الممرضات علي عملية توقيع المريض علي وثيقة رضا نموذجية معده مسبقا دون أن تكون مزودة بالمعلومات الضرورية عن العمل الطبي بل فقط علي المخاطر المحتملة لذلك العمل.
2- أن إفراغ الإقرار الكتابي في نموذج مطبوع لا يعكس حقيقة الوضع الفعلي في التبصر المطلوب, لأنه في اغلب الأحيان يوقع المريض علي هذا الإقرار دون قراءة بسبب الحالة التي يكون, مما يدفعه في حالة عدم تحقيق النتائج المرجوة إلي إثبات عكس ما تضمنه الإقرار الكتابي.
3- أن الإقرار لا يضمن حماية كافية للطبيب, إذ ليس هناك ما يمنع المريض من النزاع لاحقا في أن رضائه لم يكن متبصرا أو انه صدر عنه وهو تحت ضغط نفسي معين.
وتثور مشكلة عندما يتبين للجراح أثناء إجراء العملية أن ثمة حالة جسيمة بالمريض أو حالة تختلف عن الحالة التي شخصها تقتضي تدخلا جراحيا أوسع مدي أو في مكان أخر من جسم المجني عليه, فما لم تقتضي حالة الضرورة القيام بهذا التدخل الجراحي فورا, فهنا لا يجوز للطبيب أن يجري تدخلا جراحيا لم يوافق علية المريض إلا إذا كان هناك خطرا حال جسيم علي النفس , ففي هذه الحالة وحدها تتوافر حالة الضرورة التي تبيح فعل الطبيب.

وفي ذلك قضت محكمة التمييز الفرنسية فر قرارها الصادر بجلسة 22 يوليو 2004 بانه عندما يكون المريض بحالة تخدير عام وطرأ تدخل طبي جراحي إضافي لا يحتمل التأخير, فعلي الطبيب أن يقوم بالعمل الطبي دون انتظار رضي المريض.
ومن امثله توافر حالة الضرورة التي يمكن فيها للطبيب التدخل الطبي دون الحصول مسبقا علي إذن المريض :
1- أن يكون المرض المصاب به المريض من الأمراض المعدية الأمر الذي يستدعي تدخلا سريعا من الطبيب لمعالجته وإجراء اللازم لمنع انتشار هذه العدوي
2- أن يكون المريض في حالة حرجة يكون فيها مهددا بفقد حياته أو تلف عضو من أعضاء جسده , فيكون من الواجب علي الطبيب التدخل السريع لإنقاذ حياه المريض وتقليل الضرر الواقع عليه , كما في حالات حوادث الطرق .
ففي مثل تلك الحالات يتعذر علي الطبيب اخذ الإذن المسبق من المريض قبل التدخل الطبي , كما أن الانتظار حتي الحصول علي مثل ذلك الإذن سواء من المريض أو من ذويه فيه مفسده عظيمة إذ قد تهدر حياته خلالها أو تتلف أعضاء من جسده , فوجب علي الطبيب في مثل تلك الحالات أن يباشر العلاج دون انتظار الإذن أو رضاء المريض بالتدخل الطبي.

** إشكالية رفض المريض للعلاج :

مما لاشك فيه أن للمريض الحق في رفض العلاج أو الاستمرار فيه , فهذا حق أصيل له , ومن واجب الطبيب ولازم عليه احترام إرادة المريض برفضه العلاج أو رفضه للعملية الجراحية أيا كانت حالت المريض الصحية , ولا يقع علي الطبيب أي مسئولية قانونية تجاه مريضة في هذه الحالة ولا يعتبر مرتكبا لثمة خطأ الطبيب الذي يتوقف عن علاج مريضة نظرا لرغبة هذا الأخير في التوقف ورفض العلاج ولو ترتب علي ذلك فقد المريض لحياته .
وفي ذلك قضت محكمة التمييز الفرنسية بجلسة 18يناير 2000 بأن الطبيب الذي يحترم قرار مريضة برفض العلاج أو باتباع طريقة معينة للعلاج لا يرتكب أي خطأ, إذ علي الطبيب أن يحترم إرادة المريض بعد أن يكون قد أعلمة بخيارة, واذا كانت حياة المريض في خطر فعلية أن يحاول إقناعه بتلقي العلاج المناسب, وعلي الطبيب إلا يقبل بسهولة مبالغ فيها رفض مريضه لتلقي العلاج, إذ يترتب علية أن يبذل واجب النصح والأقناع بالمعالجة , ويجب علي الطبيب أن يخبر المريض بنتائج اختباره , إلا انه يبقي دائما من الممكن تجاوز رفض المريض , وبخاصة عندما يكون بصدد مضاعفات للمرض , وذلك إذا توافرت ثلاث شروط 1- أن تكون حياة المريض في خطر 2- أن يكون الطبيب قد بذل اقصي جهد ممكن لإقناع المريض 3- أن يعطي المريض العلاج اللازم فقط.
قضي أيضا بعدم إمكانية إدانة الطبيب بالقتل الخطأ ولا برفض مساعده شخص في خطر, إذا ما ظهر من المريض رفض عنيد بل عنيف لهذا الطبيب ووقع شهاده تعبير عن هذا الرفض, كما قرر مجلس الدولة الفرنسي بان تصرف الطبيب الذي اكتفي فيه بإعطاء المريض أدوية مسكنه أمام رفض المريض القاطع للعلاج لا يشكل خطأ وظيفيا .