من حالات انعدام القرار الاداري
صُدُورُ الْقَرَارِ مِنْ شَخْصٍ مَعْنَوِيٍّ عَامٍّ
غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِإِصْدَارِهِ
بقلم الدكتور وليد سعيد عبدالخالق المحامي
من مؤلفنا الاهلية القانونية للاشخاص المعنوية العامة
تناولت في الفصل الأول من هذا البحث الشخصية المعنوية العامة وما يترتب على اكتسابها من نتائج قانونية وكان من بين تلك النتائج هو تمتع كل شخص معنوي عام بالاستقلال عن غيره من الأشخاص المعنوية العامة في مباشرة اختصاصاته.
ولما كانت تلك الأشخاص المعنوية العامة تستعين في القيام باختصاصاتها المختلفة بالعنصر البشري والذي يجب عليه الالتزام في كل ما يصدر عنه من تصرفات قانونية أولا بحدود اختصاصاته الوظيفية وثانيا بحدود الاختصاصات التي يتمتع بها الشخص المعنوي العام ذاته حتى لا يمثل عملة خروجا واعتداء على سلطة شخص معنوي أخر.
إلا أنه في بعض الحالات لا يخرج الموظف عن حدود الاختصاص المخولة فحسب بل أيضًا عن اختصاصات الشخص المعنوي العام بأسرها ففي مثل هذه الحالة لا يعتبر القرار باطلاً بل معدومًا ( ) فصدور القرار من شخص إداري آخر غير الذي حددته قاعدة القانون يعني انتهاكا لعنصر الاختصاص ويشوب القرار بعيب اغتصاب سلطة وهو ما يفيد عدم التمتع بممارسة سلطة معينة.( )
وتأسيسًا على ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا "بان الاتفاق منعقد على انه سواء اعتبر الاختصاص أحد أركان القرار الإداري أم أحد مقومات الإرادة التي هي ركن من أركانه فان صدور القرار الإداري من جهة غير منوط بها إصداره قانونًا يعيبه بعيب جسيم ينحدر إلى حد العدم طالما في ذلك افتئات على سلطة جهة أخرى لها شخصيتها المستقلة" ( ) "فعيب عدم الاختصاص الجسيم الذي ينحدر بالقرار إلى درجة الانعدام لا يكون إلا في حالة اغتصاب سلطة أخرى ناط بها المشرع سلطة إصداره كأن تصدر ... أو أن تصدر وزارة معنية قرارًا في شأن من شئون وزارة أخرى لا تدخل في اختصاصاتها أما غير ذلك من حالات عدم الاختصاص التي تعتري القرار الإداري بسبب تداخل الاختصاصات أو تغيير القوانين أو قرارات التفويض بعيب مخالفة القانون – لا تنحدر به إلى درجة الانعدام" ( ) وكذلك قضائها "إذ حدد القانون السلطة المختصة بعزل أعضاء مجلس الدولة تأديبيا وبإحالة غير القابلين للعزل منهم إلى المعاش ولم يخول رئيس الوزراء أدنى اختصاص في هذا الشأن فان قراره قد تمخض على ما سلف بيانه عن فعل عادي لم تراعي فيه الإجراءات والضمانات القانونية المقررة لأعضاء مجلس الدولة ويكون قد انطوي على عدوان جسيم على اختصاص كلا من لجنه التأديب والتظلمات ورئيس الجمهورية ينزل بالقرار المطعون فيه إلى حد غصب السلطة وينحدر به إلى مجرد الفعل المادي المعدوم الذي لا يترتب عليه أثر قانوني ومن ثم فلا تلحقه أي حصانه ولا يتقيد الطعن فيه بميعاد" .( )
وفي نفس الاتجاه سار قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة حيث ذهب في فتواه المؤرخة 15/3/1966 إلى " أن صدور قرار من مجلس إدارة المؤسسة بتعين عامل يلزم لتعينه قرار جمهوري يجعل قرار تعينه مشوبا بعيب اغتصاب السلطة ومن ثم يكوون منعدما – عدم جواز الاعتداد بأي ترقية مبنية على هذا القرار – عدم جواز الاعتداد بالمرتب الذي كان يتقاضاه في المؤسسة عند تعينه أو ترقيته ".( )
الْخُلاصَةُ : بعد أن انتهيت من بحث حالات اغتصاب السلطة على النحو المتقدم يمكنني الوصول إلى نتيجة منطقية قوامها أن كل حالات اغتصاب السلطة هي في الواقع ناشئة عن تخلف ركن الإرادة في القرار الإداري لدي الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل بإصدار القرار ففي كل تلك الأحوال رأينا أن القرار صدر ممن لا يملك حق التعبير عن الإرادة الحقيقة في القرار الإداري فإرادة الجهة المختصة لم تتجه إلى إصدار ذلك القرار ولم تتجه إلى إحداث أي أثر قانوني وبالتالي يكون مثل ذلك القرار قد صدر فاقدا لركن الإرادة الأمر الذي يجعله يهوي إلى مرتبة العدم .